الأحد، 2 أغسطس 2015

زيارة لمتحف النسيج في جاكرتا


عدت قبل أيام من رحلة قصيرة إلى إندونيسيا. بلد جميلة غنية بالطبيعة و مزدحمة بالسكان.
كصانعة لحف و شنط، فإن أحد أهم غاياتي من زيارة إندونيسيا هو التعرف على نسيج البلد. في عالم اللحف يعتبر قماش الباتيك الإندونيسي ( و هو قماش يرسم عليه بالشمع ثم يصبغ بعدة ألوان ) من أشهر و أغلى الأقمشة ثمناً في محلات اللحف لجودته العالية و لأنه فريد من نوعه. فلا توجد قطعة تشبه الأخرى حيث أنه يصبغ يدوياً دون الإعتماد على أجهزة حديثة.

كنت أعتقد أن كل أقمشة الباتيك سواء. لكن في هذه الرحلة عرفت أن لكل منطقة و جزيرة تصميمها الخاص و ألوانها المفضلة و طريقتها الفريدة في الصبغ. كما أن الصناعة الحديثة تدخلت فأثرت على جودة ما في السوق. الأقمشة التقليدية تباع بأسعار عالية نظراً للمجهود البشري و الوقت و الخامات المستخدمة في الصنع.
في أحد الأسواق الشعبية
اليوم في الأسواق الشعبية صار يندر توفر الباتيك التقليدي ، و أغلب الباتيك المعروض من إنتاج المصانع و مصنوع من النايلون و البوليستر. أغلى ما وجدت صنع من الحرير و قد طبعت الرسومات و التصاميم على هذه الأقمشة بواسطة الآلات. العثور على القطن، و الذي أستخدمه في خياطة اللحف، شبه مستحيل. إشتريت بعض الأمتار من القماش مما أكد لي بائعوه أنه قطن خالص و إن كنت أشك في ذلك.

بعد بحث في الإنترنت و بمساعدة Trip Adviser وجدت المتجر الوحيد الذي يوفر حاجيات صانعات اللحف و الأقمشة القطنية في جاكرتا. من حسن حظنا أن صاحب المتجر -السيد مانو- كان موجوداً. فشرح لنا الفرق بين تصاميم باتيك جاوة و سومطرا و بالي (الأخير هو الذي كنت أبحث عنه ) و أرانا تشكيلة واسعة من الأقمشة الجميلة الإندونسية و اليابانية و الكورية. أعتقد أننا جلسنا في المتجر قرابة ساعة و نحن نتحدث و نقلب القماش.



في اليوم التالي، و بتوصية أخرى من Trip Adviser ، زرت متحف النسيج في العاصمة. المتحف مكون من عدة مباني و كل مابه من النسيج عمره أكثر من ٨٠ عام. أي أنه يعود إلى حقبة ما قبل المصانع. إستعنت بمرشدة المتحف و تجولت و إياها قرابة ٣ ساعات، أرتني خلالها التصاميم الخاصة بكل منطقة في إندونسيا. بعض المناطق تفضل الألوان الداكنة و أخرى الأوان الفاتحة. بعض التصاميم ظهر عليها التأثير الإسلامي حيث رسمت عليها الحروف العربية مقطعة و متناثرة، و أخرى ظهر عليها التأثير الأوربي أو الهندي. 



قالت لي المرشدة أن بعض التصاميم كانت صعبة جداً على الفنان. فكان يستعين على إتمامها بعبادات معينة و أذكار. حتى إذا أتم قطعة القماش و التي يكون طولها عادة ٢.٥ متر، سمى التصميم بالذكر الذي كان يقوم به، و أرتني المرشدة قطعة إسمها : ( سبحان الله ).
"سبحان الله"
رسومات لحكايات من الفلكلور الإندونيسي

من أصعب تقنيات الباتيك التي أرتني إياها المرشدة تقنية تعود إلى أهل جزيرة مادورا. فأهل هذه الجزيرة يصبغون قطعة القماش بلون ثم يدفنون القماش بجرة داخل الطين مدة شهر. بعدها يخرجونه و يصبغونه بلون آخر و يدفنونه من جديد و هكذا حتى يكتمل التصميم. عندما تأملت القطع المصبوغة بهذه الطريقة رأيت أكثر من عشرة ألوان. أي أن كل قطعة تستغرق أكثر من عام للتصبح جاهزة.



لم أستطع أن ألتقط الكثير من الصور للقماش المعروض و ذلك لأن المتحف يضعه في صندوق زجاجي حفاظاً عليه من الحشرات و التلف، و كلما إلتقطت صورة إنعكس ظلنا و ظل ما حولنا على الزجاج و لم يظهر شيء من تفاصيل القماش. 


كان هذين التصميمين و حتى وقت قريب خاصين بالملك و محرمين على الشعب

 أيضاً عرض المتحف الأدوات القديمة المستخدمة و التي لا تزال تستخدم في فن الباتيك. كالقلم الذي يعبآ بالشمع و إسمه "كانتينغ". و الأختام المختلفة التي تصنع من الحديد و الخشب و تغمس بالشمع ثم يطبع بها على القماش. 



بعد تجوالنا في المتحف ذهبنا إلى قسم آخر في الخلف حيث توجد ورشة عمل للزوار ليجربوا فن الباتيك. إخترت تصميم و رسمته على القماش . بعدها وضعت قطعة القماش في إطار ثم جلست مع مدربتي على كراسي قش قرب موقد وضع عليه قدر به الشمع المذاب. 


إعتقدت أن العملية سهلة. و لكن وجدتها معقدة. كان علي أن أملأ الأداة بالشمع المذاب و أن أمسك الإطار بزاوية معينة و أمسك الأداة ( الكانتينغ) بزاوية معينة فلا ينسكب علي الشمع المذاب و لا يسيل على القماش أكثر من المقدار المحتاج لتغطيته. كان على أن أفرغ الكانتينغ من الشمع عدة مرات و أعيد ملئها حتى لا يجمد الشمع داخلها .بعد أن أنتهيت من الجانب الآول، قلبت الإطار و أعدت الرسم على الجانب الآخر. طبعاً عملي "حوسة" بمعنى الكلمة.


بعد أن إنتهيت نزعت الإطار ثم كانت عملية الغلي ثم الصبغ و إزالة الشمع و الصبغ من جديد. إخترت اللون الأزرق و لتصبغ الديكة به( حسب كلام المرشدة الديك تصميم تشتهر به جزيرة جاوة ). ثم علقت القطعة على الحبل لتجف. كان بودي أن أفهم عملية الصبغ أكثر و لكن حاجز اللغة منعني فإكتفيت بالمشاهدة. الحمدلله أن الديكة  كانت واضحة . أعتقدت حقاً أني أفسدت الرسمة لعدم قدرتي على التحكم برسم الشمع.



وجدت هذا المقطع القصير على اليوتيوب و فيه أغلب الخطوات التي تعلمتها في ورشة العمل مع تفاصيل أكثر:

كانت تجربة جميلة و ممتعة اردت أن أقوم بها منذ مدة طويلة و الحمدلله تيسرت لي. بقي الآن أن أتعلم تطبيقها بنفسي في المنزل. أرى مجموعة كاملة من القماش من تلويني و رسمي أصنع منها لحافاً فنياً من تصميمي. ألن يكون ذلك إنجازاً؟!

تحياتي
ربة منزل


هناك تعليقان (2):

  1. راوية اولا الحمدلله عسلامتك والله قلقت عليك كل فترة أدخل المدونة ولا أجد جديد ،
    ماشاءالله رحلة رائعه ، أول مرة أسمع بهذه الطريقة بالرسم ، كل التوفيق لك و انتظر المزيد من تفاصيل الرحلة

    ردحذف
  2. رحلة مميزة
    نشكرك على مشاركتنا تفاصيلها
    مشوقة هي مدونتك نتمنى نشاطا مكثفا بها

    ردحذف